الدكتورة ماريا غوجنين، إحدى الفائزات الثمانية بمنح العُلا، تشاركنا من خلال هذه المدوّنة الملهمة لمحة عن مشروعها البحثي المميز في محافظة العُلا. وهو برنامج تدريبي متخصص لتأهيل كوادر سعودية في توثيق وإدارة مواقع النقوش الصخرية في العلا. يُركّز على تقنيات حديثة مثل التصوير الرقمي والنمذجة ثلاثية الأبعاد، بهدف تأسيس مدرسة ميدانية دائمة بالشراكة مع جامعات بريطانية.
المدرسة الميدانية لفنون النقوش الصخرية: حفظ التراث ما قبل التاريخ من خلال التدريب العملي، بقلم ماريا غواغنين
تُعدّ منطقة العُلا في المملكة العربية السعودية من أغنى المناطق في العالم بفن النقوش الصخرية، حيث تروي آلاف الرسومات والنقوش قصص الشعوب القديمة على مدى أكثر من 12 ألف عام من التاريخ الإنساني. تتضمن هذه النقوش مشاهد صيدٍ من العصر الحجري، ورسومات للأبقار وثّقها أوائل الرعاة قبل نحو 8000 عام، وعربات تعود لممالك العصر الحديدي، وقوافل الجمال المرتبطة بطريق البخور، إضافة إلى مشاهد معارك من العصور الوسطى. تشكّل هذه النقوش الصخرية سجلاً بصرياً فريداً يقدّم لمحات نادرة عن حياة الإنسان القديم، ومعتقداته، وتفاعله مع الطبيعة والحيوانات التي كانت تسكن هذا المشهد الصحراوي القديم.
واليوم، ينطلق مشروع جديد يهدف إلى تدريب المختصين السعوديين في مجال التراث على توثيق هذا الفن والحفاظ عليه، تحت عنوان «مدرسة العُلا الميدانية لفن النقوش الصخرية».
أهمية المشروع
يُعتبر فن النقوش الصخرية جسراً يربطنا بالماضي، ويساعدنا على فهم حياة المجتمعات القديمة والتغيّرات البيئية والمناخية التي مرّت بها شبه الجزيرة العربية — من فترةٍ كانت فيها أكثر خضرة، إلى الصحراء التي نعرفها اليوم. هذا الارتباط العميق بالماضي يجعل من فن النقوش الصخرية أداة تعليمية وسياحية قيّمة، لكن حمايته وتقديمه بطريقة تحترم سياقه التاريخي يتطلبان تدريباً متخصصاً لم يكن متاحاً محلياً في السابق.
فحتى الآن، كان من يرغب في دراسة فن النقوش الصخرية أو تعلم أساليب حفظه يضطر إلى السفر خارج المملكة، حيث لا تراعي البرامج التدريبية هناك الخصوصية البيئية والفنية للنقوش المنتشرة في شمال السعودية.
مدرسة العُلا الميدانية لفن النقوش الصخرية
في أكتوبر 2025، ستُقام دورة ميدانية مكثفة لمدة عشرة أيام في محافظة العُلا، يقودها خبير دولي في فن النقوش الصخرية بمشاركة اثنين من علماء الآثار من المملكة المتحدة. وبالتعاون مع الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، سيتم اختيار ستة مختصين سعوديين من حديثي التخرج في مجالات التراث والآثار للمشاركة في هذا البرنامج العملي.
وسيُصمَّم التدريب ليتناسب مع الخصائص الأثرية والطبيعية الفريدة للمملكة، ويتضمن:
- التوثيق باستخدام نظام تحديد المواقع (GPS) والتصوير الرقمي
- تصميم قواعد بيانات للنقوش الصخرية
- رسم الخرائط والتحليل المكاني باستخدام Google Earth وQGIS
- إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد بتقنيات الفوتوغرامتري والليدار
- تحسين الصور باستخدام برنامج DStretch
- دراسة عوامل التعرية والتأريخ الزمني للنقوش
- التدريب العملي على التنقيب وأخذ العينات العلمية من مواقع مختارة
سيُسهم هذا البرنامج في تعزيز فهم المشاركين لتقنيات تفسير النقوش الصخرية والحفاظ عليها، كما سيدعم تطوير التعليم والسياحة الثقافية في المنطقة.
نظرة نحو المستقبل
تمثل مدرسة العُلا الميدانية مشروعاً تجريبياً يمهّد لإنشاء برنامج دائم بالتعاون مع مؤسسات بريطانية، استجابةً للطلب المتزايد على التدريب المتخصص في مجال فن النقوش الصخرية داخل المملكة. ومن خلال هذا المشروع، تتعزز الجهود الوطنية الرامية إلى توثيق هذا التراث العالمي الفريد وصونه، ليبقى شاهداً على عراقة تاريخ شبه الجزيرة العربية وإبداع الإنسان فيها.